قِصَصُ النَّبِيِّينَ

مَنْ كَسَرَ الأَصْنامَ؟

بائِعُ الأَصْنامِ

قَبْلَ أَيّامٍ كَثيرَةٍ جِدّاً.

كانَ في قَرْيَةٍ رَجُلٌ مَشْهورٌ جِدّاً.

وَكانَ اسْمُ هذا الرَّجُلِ آزَرَ.

وَكانَ آزَرُ يَبيعُ الأَصْنامَ.

وَكانَ في هذِهِ القَريَةِ بَيْتٌ كَبيرٌ جِدّاً.

وَكانَ في هذا البَيْتِ أَصْنامٌ، أَصْنامٌ كَثيرَةٌ جِدّاً.

وَكانَ النّاسُ يَسجُدونَ لِهذهِ الأصنامِ.

وَكانَ آزَرُ يَسجُدُ لِهذهِ الأصنامِ.

وَكانَ آزَرُ يَعْبُدُ هذهِ الأصنامَ.

وَلَدُ آزَرَ

وَكانَ آزَرُ لَهُ وَلَدٌ رَشِيدٌ، رَشِيدٌ جِدّاً.

وَكانَ اسْمُ هذا الوَلَدِ إبْراهيمَ.

وَكانَ إبْراهيمُ يَرَى النّاسَ يَسْجُدونَ لِلأَصْنامِ.

وَيرَى النّاسَ يَعْبُدونَ الأَصْنامَ.

وَكانَ إِبْراهيمُ يَعْرِفُ أَنَّ الأَصْنامَ حِجارَةٌ.

وَكانَ يَعْرِفُ أَنَّ الأَصْنامَ لا تَتَكَلَّمُ وَلا تَسْمَعُ.

وَكانَ إبْراهيمْ يَعرِفُ أَنَّ الأَصْنامَ لا تَضَرُ وَلا تَنْفَعُ.

وَكانَ يَرَى أَنَّ الذُّبابَ يَجْلِسُ عَلَى الأَصْنام فَلا تَدْفَعُ.

وَكانَ إبْراهيمُ يَقولُ في نَفْسِهِ: لِماذا يَسْجُدُ النّاسُ لِلأَصنامِ؟

وَكانَ إبْرِاهيمُ يَسْأَلُ نَفْسَهُ: لِماذا يَسْأَلُ النّاسُ الأَصْنامَ؟

نَصيحةُ إبْراهيمَ

وَكانَ إبْراهيمُ يَقولُ لِوالِدِهِ:

يا أبي، لِماذا تَعْبُدُ هَذِهِ الأَصْنامَ؟

وَيا أبي، لِماذا تَسْجُدُ لِهَذِهِ الأَصْنامِ؟

وَيا أبي، لِماذا تَسأَلُ هَذِهِ الأَصْنامَ؟

إنَّ هَذِهِ الأَصْنامَ لا تَتَكَلَّمُ وَلا تَسْمَعُ!

وَإنَّ هَذِهِ الأَصْنامَ لا تَضُرُّ وَلا تَنْفَعُ!

وَلِأَيِّ شَيءٍ تَضَعُ لَها الطَّعامَ وَالشَّرابَ؟

وَإنَّ هَذِهِ الأَصْنامَ يا أَبي لا تَأْكُلُ وَلا تَشْرَبُ!

وَكانَ إبْراهيمُ يَنْصَحُ لِقَوْمِهِ، وَكانَ النّاسُ يَغضَبونَ وَلا يَفْهَمونَ.

قالَ إبْراهيمُ أَنا أَكْسِرُ الأَصْنامَ إذا ذَهَبَ النّاسُ، وحينَئِذٍ يَفْهَمُ النّاسُ.

إبْراهيمُ يَكْسِرُ الأَصْنامَ

وَجاءَ يَومُ عيدٍ فَفَرِحَ النّاسُ.

وَخَرَجَ والِدُ إبْراهيمَ وَقالَ لِإبراهيمَ: أَلا تَخْرُجُ مَعَنا؟

قالَ إبْراهيمُ: أَنا سَقيمٌ!

وَذَهَبَ النّاسُ وَبَقِيَ إبراهيمُ في البَيْتِ.

وَجاءَ إبراهيمُ إلى الأصنامِ، وَقالَ لِلأصنامِ: أَلا تَتَكَلَّمونَ؟ أَلا تَسْمَعونَ؟

هذا طَعامٌ وَشَرابٌ، أَلا تَأْكَلونَ؟ أَلا تَشْرَبَونَ؟

وَسَكَتَتِ الأصنامُ لِأنَّها حِجارَةٌ لا تَنْطِقُ.

قالَ إبراهيمُ: ما لَكُمْ لا تَنْطِقونَ؟

وَسَكَتَتِ الأصنامُ وَما نَطَقَتْ.

حينَئِذٍ إبراهيمُ غَضِبَ وَأَخَذَ الفَأْسَ.

وَإبراهيمُ ضَرَبَ الأصنامَ بِالفَأْسِ وَكَسَرَ الأصنامَ.

وَتَرَكَ إبراهيمُ الصَّنَمَ الأَكْبَرَ وَعَلَّقَ الفَأْسَ في عُنُقِهِ.

مَنْ فَعَلَ هذا؟

وَرَجَعَ النّاسُ وَدَخَلوا في بَيْتِ الأصنام.

وَأَرادَ النّاسُ أَنْ يَسْجُدوا لِلْأَصنامِ لِأَنَّهُ يَوْمُ عيدٍ.

وَلكِنْ تَعَجَّبَ النّاسُ وَدَهِشوا.

وَتَأَسَّفَ النّاسُ وَغَضِبوا.

قالوا: مَنْ فَعَلَ هذا بِآلِهَتِنا؟

قالوا سَمِعْنا فَتًى يَذْكُرُهُمْ يُقالُ لَهُ: إِبْراهيمُ.

قالوا ءأَنْتَ فَعَلْتَ هذا بِآلِهَتِنا يا إبراهيمُ؟

قالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبيرُهُم هذا فَسْأَلوهُمْ إنْ كانوا يَنطِقون.

وَكانَ النّاسُ يَعْرِفونَ أَنَّ الأصْنامَ حِجارَةٌ.

وَكانوا يَعرِفونَ أَنَّ الحِجارَةَ لا تَسْمَعُ وَلا تَنْطِقُ.

وَكانوا يَعرِفونَ أَنَّ الصَّنَمَ الأَكْبَرَ أَيْضاً حَجَرٌ.

وَأَنَّ الصَّنَمَ الأَكْبَرَ لا يَقْدِرُ أَنْ يَمْشِيَ وَيَتَحَرَّكَ.

وَأَنَّ الصَّنَمَ الأَكْبَرَ لا يَقْدِرُ أَنْ يَكْسِرُ الأَصْنام.

فَقالوا لِإبراهيمَ: أَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الأَصْنامَ لا تَنْطِقُ.

قالَ إبراهيمُ: فَكَيْفَ تَعبُدونَ الأصْنامَ وَإنَّها لا تَضُرُّ وَلا تَنفَعُ؟

وَكَيْفَ تَسْأَلونَ الأصْنامَ وَإنَّها لا تَنْطِقُ وَلا تَسْمَعُ؟

أَلا تَفْهَمونَ شَيْئاً؟ أَفَلا تَعقِلونَ؟

وَسَكَتَ النّاسُ وَخَجِلوا!

نارٌ بارِدَةٌ

اِجْتَمَعَ النّاسُ وَقالوا: ماذا نَفْعَلُ؟

إِنَّ إبْراهيمَ كَسَرَ الأَصْنامَ وَأَهانَ الآلِهَةَ!

وَسَأَلَ النّاسُ: ما عِقابُ إبْراهيمَ؟ ما جَزاءُ إبْراهيمَ؟

كانَ الجَوابُ: حَرِّقوهُ وَانْصُروا ءالِهَتَكُمْ.

وَهَكَذا كانَ: أَوْقَدوا ناراً وَأَلْقوا فيها إبْراهيمَ.

وَلَكِنَّ اللَّهَ نَصَرَ إبْراهيمَ وَقالَ لِلنّارِ:

يا نارُ كوني بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إبراهيمَ.

وَهَكَذا كانَ، كانَتِ النّارُ بَرْداً وَسَلاماً عَلَى إبْراهيمَ.

وَرَأى النّاسُ أَنَّ النّارَ لا تَضُرُّ إبْراهيمَ.

وَرَأَى النّاسُ أَنَّ إبْراهيمَ مَسْرورٌ، وَأَنَّ إبْراهيمَ سالِمٌ.

وَدَهِشُ النّاسُ وَتَحَيَّروا.

مَنْ رَبّي؟

وَذاتَ لَيْلَةٍ رَأَى إبْراهيمُ كَوْكَباً، فَقالَ: هذا رَبّي.

وَلَمّا غابَ الكَوْكَبُ قالَ إبْراهيمُ: لا! هذا لَيسَ بِرَبّي.

وَرَأَى إبْراهيمُ القَمَرَ فَقالَ: هذا رَبّي.

وَلَمّا غابَ القَمَرُ قالَ إبْراهيمُ: لا! هذا لَيسَ بِرَبّي.

وَطَلَعَتِ الشَّمسُ فَقالَ إبْراهيمُ: هذا رَبّي هذا أَكْبَرُ.

وَلَمّا غابَتِ الشَّمسُ في اللَّيلِ قالَ إبْراهيمُ: لا! هذا لَيسَ بِرَبّي.

إِنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَموت.

إِنَّ اللَّهَ باقٍ لا يَغيبُ.

إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ لا يَغْلِبُهُ شَيءٌ.

وَالكَوْكَبُ ضَعيفٌ يَغْلِبُهُ الصُّبحُ.

وَالقَمَرُ ضَعيفٌ تَغلِبُهُ الشَّمسُ.

وَالشَّمسُ ضَعيفَةٌ يَغْلِبُها اللَّيلُ وَيَغْلِبُها الغَيمُ.

وَلا يَنصُرُني الكَوْكَبُ لِأَنَّهُ ضَعيفٌ.

وَلا يَنصُرُني القَمَرُ لِأَنَّهُ ضَعيفٌ.

وَلا تَنصُرُني الشَّمسُ لِأَنَّها ضَعيفَةٌ.

وَيَنْصُرُني اللَّهُ.

لِأَنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَموتُ.

وَباقٍ لا يَغيبُ.

وَقَوِيٌّ لا يَغلِبُهُ شَيءٌ.

رَبّي اللَّهُ

وَعَرَفَ إبْراهيمُ أَنَّ اللَّهَ رَبُّهُ.

لِأَنَّ اللَّهَ حَيٌّ لا يَموتُ.

وَأَنَّ اللَّهَ باقٍ لا يَغيبُ.

وَأَنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ لا يَغْلِبُهُ شَيْءٌ.

وَعَرَفَ إبْراهيمُ أَنَّ اللَّهَ رَبُّ الكَوْكَبِ!

وَأَنَّ اللَّهَ رَبُّ القَمَرِ!

وَأَنَّ اللَّهَ رَبُّ الشَّمْسِ!

وَأَنَّ اللَّهَ رَبُّ العالَمينَ!

وَهَدَى اللَّهُ إبْراهيمَ وَجَعَلَهُ نَبِيّاً وَخَلِيلاً.

وَأَمَرَ اللَّهُ إبْراهيمَ أَن يَدْعوَ قَومَهُ وَيَمْنَعَهُمْ مِنْ عِبادَةِ الأَصْنامِ.

دَعْوَةُ إبْراهيمَ

وَدَعا إبْراهيمُ قَوْمَهُ إلى اللَّهِ وَمَنَعَهُمْ مِنْ عِبادَةِ الأَصنامِ قالَ إبْراهيمُ لِقَوْمِهِ: ما تَعْبُدونَ؟

قالوا نَعْبُدُ أَصْناماً

قالَ إبْراهيمُ:

هَلْ يَسْمَعونَكُمْ إذْ تَدْعونَ؟

أَوْ يَنْفَعونَكُمْ أَوْ يَضَرّونَ؟

قالوا بَلْ وَجَدْنا آباءَنا كَذَٰلِكَ يَفعَلونَ/

قالَ إبْراهيمُ: فَأَنا لا أَعْبُدُ هَذِهِ الأَصنامَ.

بَلْ أَنا عَدُوٌّ لِهَذِهِ الأَصْنامِ.

أَنا أَعْبُدُ رَبَّ العالَمينَ.

الَّذِى خَلَقَنِى فَهُوَ يَهْدِينِ.

وَالَّذِى هُوَ يُطْعِمُنِى وَيَسْقِينِ.

وَإذا مَرِضتُ فَهُوَ يَشْفِينِ.

وَالَّذِى يُمِيتُنِى ثُمَّ يُْيِينِ.

وَإنَّ الأَصْنامَ لا تَخْلُقُ وَلا تَهْدي.

وَإنَّها لا تُطعِمُ أَحَداً وَلا تَسْقي.

وَإذا مَرِضَ أَحَدٌ فَهِيَ لا تَشفي.

وَإنَّها لا تُمِيتُ أَحَداً وَلا تُحيي.

أَمامَ المَلِكِ

كَانَ فِي الْمَدِينَةِ مَلِكٌ كَبيرٌ جِدّا، وَظَالِمٌ جِدّاً.

وَكَانَ النّاسُ يَسْجُدونَ لِلْمَلِكِ.

وَسَمِعَ الْمَلِكُ أَنَّ إبْرَاهِيمَ يَسجُدُ لِلَّهِ وَلا يَسْجُدُ لأَحَدٍ.

فَغَضِبَ المَلِكُ وَطَلَبَ إبْراهيمَ.

وَجَاء إِبْرَاهِيمُ وَكَانَ إِبرَاهِيمُ لا يَخَافُ أَحَداً، إلا اللَّهَ.

قَالَ إِبْرَاهِيمُ: رَبِّيَ اللَّهُ!

قَالَ المَلِكُ: مَنِ اللّهُ يا إبرَاهِيمُ؟

قالَ إِبْرَاهِيمُ: الَّذِى يُحىِ وَيُميتُ.

قَالَ المَلِكُ: أنا أُحيِ وَأُمِيتُ.

وَدَعا الْمَلِكُ رَجُلاً وَقَتَلَهُ.

وَدَعا رَجُلاً آخَرَ وَتَرَكَهُ.

وَقالَ: أَنا أْحِي وَأُمِيتُ، قَتَلْتُ رَجُلاً وَتَرَكْتُ رَجُلاً. وَكانَ المَلِكُ بَليداً جِدّاً،

وَكَذَلِكَ كُلُّ مُشرِكٍ.

وَأَرادَ إِبْرَاهِيمُ أَنْ يَفْهَمَ المَلِكُ، وَيَفْهَمَ قَوْمُهُ: فَقالَ إبْراهيمُ لِلْمَلِكُ: فَإنَّ اللَّهَ يَأتيِ بِالشَّمسِ مِنَ المَشْرِقِ فَأْتِ بِها مِنَ المَغْرِبِ.

فَتَحَيَّرَ المَلِكُ وَسَكَتَ.

وَخَجِلَ المَلِكُ، وَما وَجَدَ جَواباً.

دَعْوَةُ الوالِدِ

وَأَرادَ إِبراهيمُ أَنْ يَدْعُوَ والِدَهُ أَيضاً، فَقالَ لَهُ:

يا أَبَتِ لِمَ يَعْبُدُ ما لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ؟

وَلِمَ تَعْبُدُ ما لا يَنفَعُ وَلا يَضُرُّ؟

يا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيطانَ.

يا أَبَتِ اعْبُدِ الرَّحْمَنَ!

وَغَدِبَ والِدُ إبْراهيمَ وَقالَ: أَنا أَضْرِبُكَ فَاتْرُكني وَلا تَقُلْ شَيئاً.

وَكانَ إِبراهيمُ حَليماً، فَقالَ لِوالِدِهِ: سَلامٌ عَلَيْكَ.

وَقالَ لَهُ: أَنا أَذهَبُ مِنْ هُنا وَأَدْعو رَبّي.

وَتَأَسَّفَ إبْراهيمُ جِدّاً، وَأَرادَ أَنْ يَذْهَبَ إلى بَلَدٍ آخَرَ، وَيَعْبُدَ رَبَّهُ، وَيَدْعُوَ النّاسَ إلى اللَّهِ.

إلى مَكَّةَ

وَغَضِبَ قَوْمُ إبْراهيمَ وَغَضِبَ المَلِكُ وَغَضِبَ والِدُ إبْراهيمَ.

وَأَرادَ إبْراهيمُ أَنْ يُسافِرَ إلى بَلَدٍ آخَرَ وَيَعْبُدَ فيهِ اللَّهَ وَيَدْعُوَ النّاسَ إلى اللَّهِ.

وَخَرَجَ إبْراهيمُ مِنْ بَلَدِهِ وَوَدَّعَ والِدَهُ.

وَقَصَدَ إبْراهيمُ مَكَّةَ وَمَعَهُ زَوْجُهُ هاجَرُ.

وَكانَتْ مَكَّةُ لَيسَ فيها عُشْبٌ وَلا شَجَرٌ.

وَكانَتْ مَكَّةُ لَيسَ فيها بِئْرٌ وَلا نَهْرٌ.

وَكانَتْ مَكَّةُ لَيسَ فيها حَيَوانٌ وَلا بَشَرٌ.

وَوَصَلَ إبْراهيمُ إلى مَكَّةَ وَنَزَلَ فيها.

وَتَرَكَ إبْراهيمُ زَوْجَهُ هاجَرَ وَوَلَدَهُ إسماعيلَ، وَلَمّا أرادَ إبْراهيمُ أَنْ يَذهَبَ قالَتْ زَوْجُهُ هاجَرُ إلى أَيْنَ يا سَيِّدي؟ أَتَتْرُكُني هُنا؟

أَتَتْرُكُني وَلَيْسَ هُنا ماءٌ وَلا طَعامٌ!

هَلْ أَمَرَكَ اللَّهُ بِهَذا؟

قالَ إبْراهيمُ: نَعَمْ!

قالَتْ هاجَرُ: إذاً لا يُضيعَنا!